نجيب محفوظ يعترف: صلاح أبو سيف علمني كتابة السيناريو!
هذا هو حال الكبار وهذا هو تواضع أستاذنا نجيب محفوظ الجم، لا يتوانى عن رد الفضل لأهله، ولا يكف عن تعليمنا قيمة التواضع والابتعاد كل البعد عن النرجسية والزهو وعشق النفس!
ما أجملك معلم..
وإذا كان حقا أن المبدع ورائد الواقعية السينمائية بعد كمال سليم، قد علم الأستاذ حرفة السيناريو، أو "الفورم" إن شئت القول؛ فإن نجيب بك قد علمنا كيف ننطق، وعلم المتخصصين روعة "الحرف" وصنعة الموهبة!
كان هذا اعترافا نادرا من كاتب متواضع لا يقول إلا الصدق: نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد، الشهير بنجيب محفوظ، شيخ مشايخ كتاب الرواية والقصة والحكاية في ربوع العالم العربي، والمنفرد بحصد جائزة نوبل للآداب في مصر والوطن العربي، إلى جانب نبوغه في فنون السرد والسيناريو، أن إسهاماته في فن كتابة السيناريو لا تخطئها العين ولا ينكرها إلا حاقد، هو الذي قال أن مخرج الواقعية الكبير صلاح أبو سيف هو من علمني كتابة السيناريو، رغم أن نجيب بك لو صمت لقلنا أنه رائد السيناريو على الشريط السينمائي؛ سيناريست لا تخطؤه العين المتخصصة، المتفحصة، المدققة، كتب السيناريو لأعماله الأدبية ولغيره من كبار الكتاب، وتحولت نصوصه في معظمها إلى صورة سينمائية تخطف الأفئدة والقلوب والأبصار، مشواره كسيناريست يتضمن كنوزا منها القاهرة 30، والناصر صلاح الدين ـ مشترك ـ نموذج للنجاح لا يعرف قدره إلا المنصفين.
يقول محفوظ في حوار صحافي نادر مع الكاتب الصحفي والروائي الكبير الراحل جمال الغيطاني في عدد قديم من جريدة الأخبار المصرية، يقول صاحب نوبل بلغته التي تكشف عن صدقه وبساطته: "السينما دخلت حياتي من الخارج، لم أكن أعرف عنها شيئا، نعم كنت أحب أن أشاهد الأفلام، كل ما كنت أعرفه أن هذا الفيلم لرودلف فاللنتينو أو لماري بيكفورد... إلخ، لم أكن أعرف أن هنالك كاتب سيناريو أو غيره، وفي سنة 1947 قال لي صديقي فؤاد نويرة: صلاح أبو سيف المخرج عايز يقابلك، وفي ذاك الصيف، قابلنا صلاح أبو سيف في شركة تلحمي للسينما، هنالك قال لي أبو سيف: في الواقع أنا قرأت روايتك "عبث الأقدار" وتبينت فيها أنك من الممكن أن تكون كاتب سيناريو جيداً. أنا لدي قصة "عنتر وعبلة"، قلت: ليست لدي فكرة عن الموضوع؛ فقال: معلهش، ستعرف السيناريو. وفؤاد شجعني على قبول العرض"، وتوالت سلسلة الأفلام التي كتب محفوظ سيناريوهاتها منذ نهاية الأربعينيات وأهمها: جعلوني مجرماً بالاشتراك مع الفنان المربع ـ نسبة الى تعدد مواهبه ـ السيد بدير، عن قصة حقيقية لملك الترسو فريد شوقي والمخرج الجميل الذي شرفني بسرد كثير من كواليس أفلامه الراحل عاطف سالم مكتشف العديد من النجوم (1954)، وغيره من الأعمال التي تحمل قيمة مضاعفة بتوقيع نجيب محفوظ عليها.
-------------------------------
بقلم: طاهر البهي